تقديم المحكمة الدستورية
المحكمة الدستورية مؤسسة دستورية رقابية مستقلة إستحدثها المؤسس الدستوري في دستور الفاتح من نوفمبر 2020 مكان المجلس الدستوري، تُكلّف بضمان احترام الدستور وضبط سير المؤسسات ونشاط السلطات العمومية.
خُصّت المحكمة الدستورية في دستور الفاتح من نوفمبر 2020 بفصل مستقل ضمن الباب الرابع المعنون بمؤسسات الرقابة، حيث تتمتع بالعديد من الصلاحيات تمنحها دور العمود الفقري لدولة الحق والقانون، وذلك بفضل الأحكام الجديدة الواردة في الدستور.
وبذلك أحتلت المحكمة الدستورية مكانة بارزة في الدستور، مهمتها على وجه الخصوص الرقابة على دستورية القوانين وحماية الحقوق والحريات بالإضافة إلى دورها السامي والفعال في التحكيم بين المؤسسات، فيما يتعلق بممارسة صلاحياتها الدستورية وتسوية النزاعات الناشئة في حالة تداخل الصلاحيات بين السلطات.
كما تنص المادة 190 من الدستور على ان المحكمة الدستورية تفصل بقرار في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، حيث تخطر بشأن دستورية المعاهدات قبل التصديق عليها، والقوانين قبل إصدارها، كما يمكن إخطارها بشأن دستورية التنظيمات. وتفصل ايضا بقرار في توافق القوانين والتنظيمات مع المعاهدات، ضمن شروط محددة.
ويُخطر رئيس الجمهورية المحكمة الدستورية وجوبا حول مطابقة القوانين العضوية للدستور بعد ان يصادق عليها البرلمان، والنظام الداخلي لكل غرفة من غرفتي البرلمان للدستور، بعد أن يصادقا عليهما. بالإضافة إلى ذلك، النظر في الطعون التي تتلقاها حول النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية والاستفتاء والإعلان عن النتائج النهائية لكل هذه العمليات.
كما يتم إخطار المحكمة الدستورية من قبل رئيس الجمهورية، بشأن دستورية الأوامر، طبقا لأحكام المادة 142 (الفقرة 2) من الدستور، وتفصل فيها في أجل أقصاه عشرة (10) أيام من تاريخ إخطارها
بالإضافة إلى الإخطار من قِبل رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الأمة أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو من الوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، يمكن إخطارها كذلك من أربعين (40) نائبا أو خمسة وعشرين (25) عضوا في مجلس الأمة.
إلى جانب إخطارها بالدفع بعدم الدستورية في الحالات المتعلقة بالنصوص التشريعية والتنظيمية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، وتكون قرارات المحكمة الدستورية نهائية وملزمة لجميع السلطات العمومية والسلطات الإدارية والقضائية.
غير أن المؤسس الدستوري في دستور الفاتح من نوفمبر 2020 منح صلاحيات إضافية في الجانب الاستشاري للمحكمة الدستورية لم تكن ممنوحة للمجلس الدستوري مثل:
– عرض رئيس الجمهورية بعد انقضاء مدّة الحالة الاستثنائية القرارات التي اتخذها على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي بشأنها حيث تضمنت المادة 98 (الفقرة الأخيرة) من الدستور على: “يعرض رئيس الجمهورية، بعد انقضاء مدة الحالة الاستثنائية، القرارات التي اتخذها أثناءها على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي بشأنها”.
– في حال تعذر إجراء انتخابات تشريعية خلال مدة أقصاها ثلاثة (03) أشهر تمدّد المدة لنفس الأجل بعد أخذ رأي المحكمة الدستورية طبقا لنص المادة 151 ( الفقرة 2) من الدستور.
– في حال تعذر إجراء انتخابات رئاسية خلال مدة أقصاها تسعون (90) يوما بسبب شغور منصب رئيس الجمهورية، يمدّد الأجل لمدة لا تتجاوز تسعين (90) يوما بعد أخذ رأي المحكمة الدستورية طبقا لنص المادة 94 (الفقرة 5) من الدستور.
تتشكل المحكمة الدستورية من إثنى عشرة (12) عضوا، أربعة (4) منهم يعينهم رئيس الجمهورية من بينهم رئيس المحكمة، بينما تنتخب المحكمة العليا عضوا واحدا من بين أعضائها، وينتخب مجلس الدولة عضوا واحدا من بين أعضائه أما الأعضاء الستة (6) الآخرون فينتخبون بالاقتراع من أساتذة القانون الدستوري. أنظر التشكيلة الإسمية
ونظرا للدور الهام الذي تقوم به المحكمة الدستورية في الحياة المؤسساتية للبلاد، فإن اختيار أعضائها كانت مسألة في غاية الأهمية، إذ روعي في شروط اختيارهم المزج بين المهنية والحياد، بالإضافة إلى الكفاءة والاقتدار في المسائل القانونية، كما ضمنت طريقة الانتخاب والتعيين ومدة العهدة التي كرسها الدستور شروط الموضوعية والاستقلالية والنزاهة، مما يجعلها منبرا لترقية القضاء الدستوري.
إن التغيير الذي طرأ على المجلس الدستوري وإستبداله بمحكمة دستورية يتجاوز حدود التسمية إلى ما هو أبعد وأعمق، ليسري على اختصاصاتها الموسعة، حيث تعدى دور المحكمة مهمة ضمان احترام الدستور ليشمل مهام الرقابة والتحكيم والضبط والاستشارة، فضلا عن الإختصاصات المرتبطة بمراقبة دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، ومطابقة القوانين العضوية للدستور، سواء وفق آلية الإخطار أو وفق آلية الدفع بعدم الدستورية بناء على الإحالة.
كل هذه التطورات كفيلة بدعم مكانة المحكمة الدستورية ودورها في مسار بناء دولة القانون، وتعميق الديمقراطية التعددية وحماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية.