إن المجلس الدستوري،
– عملا بأحكام المادة 188 من الدستور، وبموجب اخطار بناءً على إحالة من المحكمة العليا، توصّل المجلس الدستوري يوم 23/07/2019 بقرار مؤرخ في 17/07/2019 تحت رقم الفهرس 00003/ 19، والمتعلق بدفع أثاره السيد )ح. ع (بواسطة محامييه الأستاذ )ف. م( والأستاذة )ت.م( والذي ينازع فيه دستورية المادة 416 -الفقرة الأولى-في شطرها الأول المتعلق بالشخص الطبيعي، من قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم،
– وبناء على الدستور،
– وبمقتضى القانون العضوي رقم 18-16 المؤرخ في 22 ذي الحجة عام 1439 الموافق 02 سبتمبر 2018 الذي يحدد شروط وكيفيات تطبيق الدفع بعدم الدستورية،
– وبمقتضى النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري المؤرخ في 7 رمضان عام 1440 الموافق 12 مايو سنة 2019، المعدل والمتمم،
– وبمقتضى الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 18 صفر عام 1368 الموافق 8 يونيو سنة 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم،
– وبالاطلاع على قرار إحالة الدفع بعدم الدستورية من طرف المحكمة العليا بتاريخ 17/07/2019 تحت رقم الفهرس 00003/19،
– وبالاطلاع على الملاحظات المكتوبة المقدمة من طرف السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيد رئيس مجلس الأمة بالنيابة والسيد الوزير الأول،
– وبالاطلاع على الوثائق المرفقة بالملف،
– وبعد الاستماع إلى المقرر في تلاوة تقريره بالجلسة،
– وبعد تسجيل غياب الأطراف وممثل الحكومة بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 13/11/2019، رغم تبليغهم بذلك،
– وبعد المداولة،
-اعتبارا أن السيد (ح. ع) بواسطة محامييه الأستاذين (ف.م) و (ت. م)، دفع بعدم دستورية نص المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية، ذلك أنه متهم مستأنف لحكم صادر عن محكمة أميزور يوم 12/02/2019 قضى بإدانته والحكم عليه بــ 20.000 دج غرامة نافذة من أجل ضرب وجرح وسب وشتم الشاكية (ي.ع)،
-واعتبارا أن مذكرة الدفع بعدم الدستورية جاء فيها أنه قام بتاريخ 19/02/2019 باستئناف الحكم الصادر ضده للتمسك بحقه في تبرئة ساحته من الأفعال المنسوبة إليه، كما جاء فيها أن المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية تحرمه من حق الاستئناف بالنظر إلى مبلغ الغرامة المحكوم به و الذي لا يتجاوز 20.000 دج، و هو ما يتعارض مع أحكام المادة 160 من الدستور التي تنص على أن القانون يضمن التقاضي على درجتين في المسائل الجزائية، و لهذا السبب ادعى السيد (ح.ع) أمام مجلس قضاء بجاية بموجب مذكرة مستقلة بعدم دستورية المادة 416 من القانون المذكور أعلاه،
-واعتبارا أنه وبتاريخ 12/06/2019 أصدر مجلس قضاء بجاية قراره تحت رقم الفهرس 0001/2019، قضى فيه بإرسال الدفع بعدم الدستورية مع عرائض الأطراف ومذكراتهم إلى المحكمة العليا، هاته الأخيرة والتي بعد دراسة الدفع أصدرت قرارها بتاريخ 17/07/2019 قضت فيه بإحالة الدفع بعدم الدستورية إلى المجلس الدستوري،
-واعتبارا أنه وبتاريخ 24/07/2019 وبموجب إرسال، قام رئيس المجلس الدستوري بإشعار رئيس الدولة ورئيس مجلس الأمة بالنيابة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول، بقرار إحالة الدفع الصادرعن المحكمة العليا، والمرفق بمذكرة الدفع، كما أشعر رئيس المجلس الدستوري للغاية ذاتها بتاريخ 25/07/2019 بموجب إرسال موصى عليه مع إشعار بالوصول، السيد (ح.ع) والسيدة (ي.ع)، وتضمنت كلها آجالاً للأطراف لتقديم ملاحظاتهم المكتوبة،
-واعتبارا أن الملاحظات المكتوبة الواردة إلى المجلس الدستوري من طرف رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة بالنيابة، تضمنت اقرارًّا بعدم دستورية المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية، واقترحت إمكانية تعديل صياغتها من طرف المجلس الدستوري،
-واعتبارا أن الوزير الأول برّر في ملاحظاته المكتوبة القيود والاستثناءات الواردة على الحق في الاستئناف المنصوص عليه في المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية، بدواعي عملية، مع أنه أقرّ باصطدام الهدف المرجو من خلال تأطير حق الاستئناف في المادة الجزائية بأحكام المادة 160 من الدستور،
-واعتبارا أن طرفي الدفع لم يقدمَّا ملاحظاتهما المكتوبة رغم تمكينهما من ذلك،
-واعتبارا أن المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية المعدّل والمتمم والصادر بالأمر 66-155 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966، قد تمّ تعديلها أولا بموجب الأمر رقم 15-02 المؤرخ في 07 شوال عام 1436 الموافق 23 يوليو سنة 2015، ثم مرة أخرى بموجب القانون رقم 07.17 المؤرخ في 28 جمادى الثانية عام 1438 الموافق 27 مارس سنة 2017، وأصبح نصها كالآتي:
“تكون قابلة للاستئناف:
1-الأحكام الصادرة في مواد الجنح إذا قضت بعقوبة حبس أو غرامة تتجاوز 20.000 دج بالنسبة للشخص الطبيعي و100.000 دج بالنسبة للشخص المعنوي والأحكام بالبراءة،
2-الأحكام الصادرة في مواد المخالفات القاضية بعقوبة الحبس بما في ذلك تلك المشمولة بوقف التنفيذ”.
-واعتبارا أن المؤسس الدستوري أقرّ في المادة 160 (الفقرة 2) من الدستور حق التقاضي على درجتين في المسائل الجزائية، وجاء نصّها كالتالي: “…يضمن القانون التقاضي على درجتين في المسائل الجزائية ويحدد كيفيات تطبيقها”،
-واعتبارا أنه إن كان من اختصاص المشرع تحديد هذه الكيفيات، فإنه مقابل ذلك يعود للمجلس الدستوري وله وحده تقدير مدى دستوريتها بالنظر إلى الحقوق والحريات المضمونة دستوريا، والتحقق من أن هذه الكيفيات الإجرائية لا تمس بحق التقاضي على درجتين،
-واعتبارا أن المؤسس الدستوري حين نصّ على أن القانون يضمن التقاضي على درجتين، فإنه يقصد إلزام المشرع ضمان ممارسة هذا الحق بأن يحدد له كيفيات تطبيقه، دون أن تُفرغه تلك الكيفيات من جوهره، ولا أن تقيِّد أو تستثني أحدًا عند ممارسته،
-واعتبارا أن المشرع عندما أقرّ في المادة 416 (الفقرة الأولى) من قانون الإجراءات الجزائية جواز الاستئناف في الأحكام الصادرة في مواد الجنح إذا قضت بعقوبة حبس أو غرامة تتجاوز 20.000 دج بالنسبة للشخص الطبيعي، فإنه يكون بمفهوم المخالفة قد استثنى من حق التقاضي على درجتين المكرس في المادة 160 (الفقرة 2) من الدستور، كل الأشخاص الطبيعيين المحكوم عليهم بغرامة تساوي أو تقل عن 20.000 دج،
-واعتبارا أنه وفيما يتعلق بممارسة الحق في الاستئناف في المسائل الجزائية فإنه لا ينبغي إعاقة أي طرف إمّا قانونا أو بفعل إجراءات في أن يلجأ إلى جهة قضائية أعلى،
-واعتبارا لذلك فإن الفقرة الأولى في شطرها المتعلق بالشخص الطبيعي في المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية تتعارض مع الدستور، لاسيما المادة 160 (الفقرة 2) منه،
-واعتبارا أنه بإمكان المجلس الدستوري عملاً بالمادة 29 (الفقرة 2) من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري، المعدل والمتمم، وفي إطار دراسته للدفع بعدم دستورية حكم تشريعي أن يتصدى لأحكام أخرى، متى كان لهذه الأخيرة ارتباط بالحكم التشريعي محل الدفع بعدم الدستورية،
-واعتبارا أن المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية، وفي شطرها الثاني من (الفقرة الأولى) تضمنت في معناها بمفهوم المخالفة عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة في مواد الجنح إذا قضت بعقوبة غرامة تساوي أو تقل عن 100.000 دج بالنسبة للشخص المعنوي، كما تضمنت المادة نفسها في فقرتها الثانية بمفهوم المخالفة ما يفيد عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة في مواد المخالفات القاضية بعقوبة الغرامة،
-واعتبارا أنّ الارتباط واضحٌ بين الحكم التشريعي موضوع الدفع، وباقي الأحكام التشريعية الواردة كلها بالمادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية وذلك من خلال سعي المشرع لفرض قيود واستثناءات على حق التقاضي على درجتين المنصوص عليه في المادة 160(الفقرة 2) من الدستور،
-واعتبارا أن المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية تعتبر مطابقة جزئيا للدستور، فيما نصت عليه بأن تكون قابلة للاستئناف الأحكام الصادرة في مواد الجنح، وتلك الصادرة في مواد المخالفات،
-واعتبارا أن كل القيود المنصبة على ممارسة حق الاستئناف، والواردة في المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية، تمس بحق التقاضي على درجتين، وهو ما يتعارض مع المادة 160(الفقرة 2) من الدستور،
-واعتبارا أنه وخلافا لما جاء من طلبات في مذكرتي رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة بالنيابة، وبمقتضى مبدأ توزيع الاختصاصات بين السلطات والمؤسسات مثلما يستنبط من الدستور، فإنه لا يعود للمجلس الدستوري أن يحل محل المشرع في سنِّه للقوانين، ولا أن يملي عليه الطريقة التي يصحح بها عدم الدستورية المصرح بها، وأن المعالجة التشريعية للحكم المصّرح بعدم دستوريته تبقى من الاختصاص الحصري للسلطة التشريعية طبقا للمادة 112 من الدستور،
-واعتبارا أنه وبمقتضى المادة 191 (الفقرة 2) من الدستور، فإنه يمكن للمجلس الدستوري تحديد تاريخ زوال أثر النص، وأنه يعود له إقرار زوال أثر النص فورّا، أو أن يؤجله إلى تاريخ لاحق،
-واعتبارا أن بعض الأحكام التشريعية والمتعارضة مع الدستور والواردة في المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية، سيكون من شأن التصريح بزوال أثرها فورا أن يضمن حق الأطراف في التقاضي على درجتين في المسائل الجزائية دون أي استثناء،
-واعتبارا أنه وبمقتضى المادة 191(الفقرة 3) من الدستور، فإنّ قرارات المجلس الدستوري ملزمة للسلطة القضائية، وأنّ المساواة التي يضمنها الدستور لكل المواطنين أمام القانون والقضاء، تستوجب تمكين كل الأطراف من استئناف الأحكام الصادرة في المسائل الجزائية عملاً بأحكام المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية، دون القيود والاستثناءات موضوع قرار الحال،
وعليه يقرر المجلس الدستوري ما يلي:
أولا: التصريح بالمطابقة الجزئية للمادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية للدستور.
ثانيا:عدم دستورية الحكم التشريعي الوارد في الفقرة الأولى من المادة 416 من القانون المذكور أعلاه في شطرها المحرر كالتالي:
“إذا قضت بعقوبة حبس أو غرامة تتجاوز 20.000 دج بالنسبة للشخص الطبيعي”.
ثالثا:
1-عدم دستورية الحكم التشريعي الوارد في الفقرة الأولى من المادة 416 من القانون المذكور أعلاه في شطرها المحرر كالتالي:
“و100.000 دج بالنسبة للشخص المعنوي”.
2-عدم دستورية الحكم التشريعي الوارد في الفقرة الثانية من المادة 416 من القانون المذكور أعلاه في شطرها المحرر كالتالي:
“القاضية بعقوبة الحبس بما في ذلك تلك المشمولة بوقف التنفيذ”
رابعا:تفقد الأحكام التشريعية المقرر عدم دستوريتها أعلاه أثرها فورًا.
خامسا: يسري أثر القرار بعدم الدستورية المصرح به أعلاه على كل الأحكام الجزائية التي لم تستنفذ آجال الاستئناف عند تطبيق أحكام المادة 416 من القانون المذكور أعلاه.
سادسا: يعلم رئيس الدولة و رئيس مجلس الأمة بالنيابة و رئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول بهذا القرار.
سابعا: يبلغ هذا القرار إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا.
ثامنا: ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
بهذا تداول المجلس الدستوري في جلستيه المنعقدتين بتاريخ 21 و22 ربيع الأول عام 1441 الموافق 18 و19 نوفمبر سنة 2019.
رئيس المجلس الدستوري
كمال فنيش
محمد حبشي، نائبا للرئيس،
سليمة مسراتي، عضوا،
شادية رحاب، عضوا،
ابـراهيم بوتخيل، عضوا،
محمد رضا اوسهلة، عضوا،
عبد النور قراوي، عضوا،
خديجة عباد، عضوا،
سمـاعيل بليط، عضوا،
الهاشمي براهمي، عضوا،
امحمد عدة جلول، عضوا،
عمر بوراوي، عضوا.