إن المحكمة الدستورية،
– بناء على الدستور، لا سيما المواد 195 و 197 و 198 و 225 منه
و بمقتضى القانون العضوي رقم 18-16 المؤرخ في 22 ذي الحجة عام 1439 الموافق 2 سبتمبر سنة 2018 الذي يحدد شروط وكيفيات تطبيق الدفع بعدم الدستورية
و بمقتضى القانون رقم 13-07 المؤرخ في 24 ذي الحجة عام 1434 الموافق 29 أكتوبر سنة 2013 والمتضمن تنظيم مهنة المحاماة
وبموجب المداولة المؤرخة في 23 ربيع الثاني عام 1443 الموافق 28 نوفمبر سنة 2021 المتعلقة بقواعد عمل المحكمة الدستورية في مجال الدفع بعدم الدستورية، والمتضمنة العمل بالبابين الثاني والثالث من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري المؤرخ في 7 رمضان عام 1440الموافق 12 مايو سنة 2019، المعدل والمتمم،
وبناء على قرار الإحالة بعدم الدستورية من المحكمة العليا، المؤرخ في 28 مارس سنة 2021، تحت رقم الفهرس 21/00003، والمسجل لدى كتابة ضبط المجلس الدستوري بتاريخ 8 أبريل سنة 2021 تحت رقم2021/01 والمتعلق بدفع أثاره الأستاذ (ج. م. س) محام معتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، في حق (ب.ع)، والذي يدعي فيه عدم دستورية المادة 24 من القانون رقم 13-07 المؤرخ في 24 ذي الحجة عام 1434 الموافق 29 أكتوبر سنة 2013 والمتضمن تنظيم مهنة المحاماة،
– وبناء على الإشعار المرسل إلى رئيس الجمهورية، والإشعار المرسل الى رئيس مجلس الأمة، والإشعار المرسل إلى الوزير الأول بتاريخ 11 أبريل سنة 2021، وبناء على الإشعار المرسل إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني بتاريخ 20 أكتوبر سنة 2021،
– وبناء على الإشعار المرسل إلى النائب العام لدى مجلس قضاء سطيف والطاعن (ب.ع)، والمطعون ضدهما (خ ن) و(ب. ي) بتاريخ 11 أبريل سنة 2021،
– وبناء على قرار المجلس الدستوري رقم 02/ ق.م دا د ع د/21 المؤرخ في 5 غشت سنة 2021 والمتضمن تمديد أجل الفصل في ملف الدفع بعدم الدستورية الحالي لمدة أربعة (4) أشهر، ابتداء من تاريخ 9 غشت سنة 2021 الذي تم تبليغه إلى السلطات والأطراف،
– وبعد الاستماع إلى تقرير العضو المقرر السيد بحري سعد الله،
– وبعد الاطلاع على الملاحظات المكتوبة للسلطات والأطراف المذكورة أعلاه،
– وبعد الاستماع إلى الملاحظات الشفوية في الجلسة العلنية بتاريخ 28 نوفمبر سنة 2021،
من حيث الإجراءات :
– حيث أن السيد (ب.ع) دفع بعدم دستورية المادة 24 من القانون رقم 13-07 المؤرخ في 24 ذي الحجة عام 1434الموافق 29 أكتوبر سنة 2013 والمتضمن تنظيم مهنة المحاماة، التي تنص في فقرتها الأخيرة على ما يأتي : “لا يمكن متابعة محام بسبب أفعاله وتصريحاته ومحرراته في إطار المناقشة أو المرافعة في الجلسة”، وهي المادة التي اعتمدت عليها غرفة الاتهام لدى مجلس قضاء سطيف في قرارها المؤرخ في 29 غشت سنة 2017 والقاضي بتأييد الأمر المستأنف الصادر عن قاضي التحقيق لدى محكمة سطيف بتاريخ 28 يونيو سنة 2017 والمتضمن رفض إجراء التحقيق ضد المطعون ضده (ب.ي) وهو محامي المدعى عليها مدنيا (خ.ن)، وسبب تقديم شكوى ضده يعود إلى تحريره عريضة افتتاحية أمام قسم شؤون الأسرة لصالح موكلته (خ ن) ضد زوجها (ب.ع)، التي تضمنت على حد قوله عبارات السب والقذف والمساس بالشرف والاعتبار الشخصي للمدعي مدنيا واصفة إياه “بالشاذ”،
– حيث وبعد الطعن بالنقض في قرار غرفة الاتهام لمجلس قضاء سطيف، دفع الطاعن بعدم دستورية المادة 24 (الفقرة الأخيرة من القانون المتضمن تنظيم مهنة المحاماة أمام المحكمة العليا، بموجب عريضة منفصلة مؤرخة في 15 مارس سنة 2021، بواسطة محاميه الأستاذ (ج. م. س)، کون المادة 24 من القانون المثار بصدده الدفع، تنتهك حقوقه وحرياته التي يضمنها الدستور، لا سيما المادتان 37 و 47 منه، حيث تنص الأولى على أن ” كل المواطنين سواسية أمام القانون، ولهم الحق في حماية متساوية. ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد، أو العرق، أو الجنس، أو الرأي، أو أي شرط أو ظرف آخر شخصي أو اجتماعي”، وتنص الثانية على أن “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة وشرفه”،
من حيث الموضوع :
– حيث أن الملاحظات المثارة من رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني وممثل الحكومة والنائب العام لدى مجلس قضاء سطيف وهيئة الدفاع والمطعون ضدهما والأطراف المتدخلين في الدفع وممثلين في الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين ومنظمات المحامين المعنية، تصب كلها في دستورية المادة 24 (الفقرة الأخيرة من القانون المتضمن تنظيم مهنة المحاماة ، المذكورة أعلاه،
– حيث أن المادة 176 من الدستور تنص على ما يأتي : “يستفيد المحامي من الضمانات القانونية التي تكفل له الحماية من كل أشكال الضغوط، وتمكنه من ممارسة مهنته بكل حرية في إطار القانون”،
– حيث أن المادة 24 (الفقرة الأخيرة من القانون رقم 13-07 المذكورة أعلاه، تنص على أنه “لا يمكن متابعة محام بسبب أفعاله وتصريحاته ومحرراته في إطار المناقشة أو المرافعة في الجلسة”،
– حيث سجلت المحكمة الدستورية أن لفظ “الحصانة” ورد ذكره واستخدامه في الملاحظات المقدمة من قبل بعض الأطراف، ومن منطلق حرصها الكبير على ضرورة احترام الدستور، والتقيد التام باستخدام وتوظيف المصطلحات والألفاظ الواردة فيه دون محاولة تجاوزها أو تحميل الدستور أكثر مما يحمل، وذلك خشية الخروج عن إطاره، فإن المحكمة الدستورية توضح وتذكر أن مفهوم الحصانة يتعلق أساسا وحصريا بعضو البرلمان طبقا للمادة 129 من الدستور وكذلك أعضاء المحكمة الدستورية وفقا للمادة 189 منه، وتأسيسا على ما تقدم ذكره وبيانه لا يجوز توظيف هذا المصطلح خارج الإطار الدستوري، لا سيما وأن المادة 176 من الدستور واضحة إذ استخدمت عبارات “الضمانات”، “الحماية”، “بكل حرية”، ولم يرد فيها إطلاقا مصطلح “الحصانة”،
– حيث أن الدفع المتعلق بعدم دستورية المادة 24 (الفقرة الأخيرة بسبب مخالفتها لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 37 من الدستور، إلا أن هذا المبدأ يتعلق أساسا بالمواطنين ممن هم في وضعيات متشابهة وفي مراكز قانونية واحدة، والحال أن القانون رقم 13-07 في نص مادته 24 (الفقرة الأخيرة منع متابعة المحامي بسبب أفعاله وتصريحاته ومحرراته في إطار المناقشة أو المرافعة في الجلسة، فإن ذلك لا يمثل أي مساس بالمبدأ المذكور،
– حيث أنه إذا كان للمشرع اختصاص توفير الضمانات القانونية المكرسة في الدستور في نص المادة 176 منه عند ممارسة المحامي لمهنته، وأن القانون رقم 13-07 المذكور أعلاه نص على هذه الضمانات القانونية، ومنها نص المادة 24 (الفقرة الأخيرة)، فإنه يعود للمحكمة الدستورية وحدها اختصاص رقابة مدى دستورية هذه الضمانات،
– حيث أن الحق في الدفاع ثابت بموجب المادة 175 من الدستور التي جاء فيها “حق الدفاع معترف به، الحق في الدفاع مضمون في القضايا الجزائية”،
– حيث أن حق الدفاع يعد من أهم الحقوق الواردة في الدستور وهذا لارتباطه وتكامله مع منظومة الحقوق الأخرى المقررة لصالح الإنسان والمواطن، كما يعد من جهة أخرى ضمانة أساسية لحسن سير العدالة وأصول ومقتضيات المحاكمة العادلة، ولذلك وردت هذه الضمانة في صكوك دولية كثيرة:
* الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا سيما المادة 11 منه الذي انضمت إليه الجزائر بموجب المادة 11 من دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1963،
* العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، لا سيما المادة 14-3 (د) منه، والذي انضمت إليه الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89-67 المؤرخ في 16 مايو سنة 1989،
* الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب، لا سيما المادة 7 منه، الذي صادقت عليه الجزائر بموجب المرسوم رقم 87-37 المؤرخ في 3 فبراير سنة 1987،
* الميثاق العربي لحقوق الإنسان، لا سيما المادة 16 منه، الذي صادقت عليه الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 06-62 المؤرخ في 11 فبراير سنة 2006،
– حيث أن استفادة المحامي من الحماية القانونية الممارسته حق الدفاع المضمون دستوريا بكل حرية، حتى يكون في منأى عن كل أشكال الضغوط طبقا للمادة 24 الفقرة الأخيرة من القانون رقم 13-07 المذكور أعلاه، يعتبر من متطلبات المحاكمة العادلة بصفته محاميا، ولا تمنحه أي مركز تمييزي بصفته الشخصية مما لا يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون المكرس في المادة 37 من الدستور، ما دام أن المحامي يقوم بذلك في إطار الدستور والقانون وبمناسبة ممارسته لمهنته،
– حيث أن الضمانات القانونية التي يستفيد منها المحامي أثناء أداء مهامه طبقا لنص المادة 24 (الفقرة الأخيرة) المذكورة أعلاه، تمكنه من ممارسة حق الدفاع المضمون دستوريا بكل حرية والحماية من كل أشكال الضغوط، وذلك لا يتعارض مع الحق في حماية الحياة الخاصة والشرف المكفولة بموجب المادة 47 من الدستور، طالما أن المحامي يقوم بمهامه بالقدر الذي تستلزمه متطلبات الدفاع في إطار الدستور والقانون،
– وعليه، فإن المشرع بنصه على الحماية القانونية للمحامي أثناء ممارسة مهنته ومرافعته في الجلسة، وممارسة حق الدفاع بكل حرية في الفقرة الأخيرة من المادة 24 من القانون رقم 13-07 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة يكون قد مارس اختصاصاته الدستورية، وكرس الضمانات القانونية التي وردت في نص المادة 176 من الدستور، ومن ثم فإن النص المذكور أعلاه لم ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، الأمر الذي يتعين معه التصريح بدستورية الفقرة الأخيرة من المادة 24 من القانون المتضمن تنظيم مهنة المحاماة.
وعليه، تقرر المحكمة ما يأتي :
أولا : تصرح بدستورية الفقرة الأخيرة من المادة 24 من القانون رقم 13-07 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة.
ثانيا : يعلم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول بهذا القرار.
ثالثا : يبلغ هذا القرار إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا.
ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
بهذا تداولت المحكمة الدستورية في جلستها المنعقدة بتاريخ 23 ربيع الثاني عام 1443 الموافق 28 نوفمبر سنة 2021.
رئيس المحكمة الدستورية
عمر بلحاج
ليلى عسلاوي، عضوا،
بحري سعد الله، عضوا،
مصباح مناس، عضوا،
جيلالي ميلودي، عضوا،
أمال الدين بولنوار، عضوا،
فتيحة بن عبو، عضوا،
عبد الوهاب خريف، عضوا،
عباس عمار، عضوا،
عبد الحفيظ أوسوکین، عضوا،
عمار بوضياف، عضواء
محمد بوطرفاس، عضوا.