إن المحكمة الدستورية،
– بناء على الدستور، لا سيما المواد 165 (الفقرة الأخيرة) و 178 و 195 و 197 (الفقرة الأولى) و 198 (الفقرة الأخيرة) و 225 منه،
– و بمقتضى القانون العضوي رقم 18-16 المؤرخ في 22 ذي الحجة عام 1439 الموافق 2 سبتمبر سنة 2018 الذي يحدد شروط وكيفيات تطبيق الدفع بعدم الدستورية،
– و بمقتضى القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية
– و بمقتضى المداولة المؤرخة في 23 ربيع الثاني عام 1443 الموافق 28 نوفمبر سنة 2021 المتعلقة بقواعد عمل المحكمة الدستورية في مجال الدفع بعدم الدستورية، والمتضمنة العمل بالبابين الثاني والثالث من النظام المحدد القواعد عمل المجلس الدستوري المؤرخ في 7 رمضان عام 1440 الموافق 12 مايو سنة 2019، المعدل والمتمم،
– وبناء على قرار الإحالة من المحكمة العليا المؤرخ في 26 أبريل سنة 2021، رقم الفهرس 00006/21، والمسجل لدى كتابة ضبط المجلس الدستوري بتاريخ 5 مايو سنة 2021 تحت رقم 02/2021 والمتعلق بدفع أثاره الأستاذ (ب. م. ص) المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، في حق المستثمرة الفلاحية الفردية، ممثلة برئيسها (ن. ح) والذي يدعي فيه عدم دستورية المادة 633 (الفقرة الأولى) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المذكور أعلاه،
– وبناء على الإشعار المرسل إلى رئيس الجمهورية، والإشعار المرسل إلى رئيس مجلس الأمة، والإشعار المرسل إلى الوزير الأول بتاريخ 6 مايو سنة 2021، والإشعار المرسل إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني بتاريخ 20 أكتوبر سنة 2021،
– وبناء على الإشعار المرسل إلى المدعو (ن. ح) المستأنف، والمدعو (ك. م) المستأنف عليه، وإلى المحضر القضائي (م. ر)، مرفوقا بمذكرة الدفع، عن طريق النائب العام لدى مجلس قضاء سكيكدة، بتاريخ 6 مايو سنة 2021 الذي أبلغهم بواسطة المحضر القضائي (ق. ع) بتاريخ 19 مايو سنة 2021،
– وبناء على قرار المجلس الدستوري رقم 03/ ق. م د /د ع د /21 المؤرخ في 22 محرم عام 1443 الموافق 31 غشت سنة 2021 والمتضمن تمديد أجل الفصل في الدفع بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 633 من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لمدة أربعة (4) أشهر، ابتداء من تاريخ 6 سبتمبر سنة 2021،
– وبعد الاطلاع على الملاحظات المكتوبة للسلطات والأطراف المذكورة أعلاه،
– وبعد الاستماع إلى تقرير العضو المقرر السيد مصباح مناس،
– وبعد الاستماع إلى الملاحظات الشفوية في الجلسة العلنية بتاريخ 28 نوفمبر سنة 2021،
من حيث الإجراءات :
– حيث أن المدعو (ن. ح) ممثل المستثمرة الفلاحية الفردية، دفع بواسطة محاميه الأستاذ (ب. م. ص) بعدم دستورية المادة 633 (الفقرة الأولى) من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على إثر تبليغها بالقرار الصادر عن مجلس قضاء سكيكدة، الغرفة العقارية، بتاريخ 20 مايو سنة 2020، القاضي بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء من جديد بإلزامها وكل من يحل محلها بالخروج من الجزء المساحي الذي تم طرد المدعى عليه في الدفع المدعو (ك.م) منه، مع إلزامها بأن تدفع له مبلغ 1.354.680دج.
– وحيث رفع محامي المدعية دعوى أمام محكمة الحروش القسم الاستعجالي، ضد خصمها وبحضور المحضر القضائي (م. ر)، انتهت بصدور أمر غيابي بتاريخ 8 فبراير سنة 2021 للمدعى عليه، وحضوري اعتباري للمحضر القضائي، وهو الأمر غير القابل لأي طعن، القاضي برفض طلبها الرامي لوقف تنفيذ القرار المؤرخ في 20 مايو سنة 2020 مع الأمر بمواصلة تنفيذه.
– وحيث أن مذكرة الدفع بعدم الدستورية جاء فيها أن المدعية قامت بتاريخ 8 فبراير سنة 2021 باستئناف الأمر الصادر عن محكمة الحروش أمام مجلس قضاء سكيكدة، الغرفة الاستعجالية، وأودعت مذكرة دفع مكتوبة ومنفصلة بواسطة دفاعها بتاريخ 7 مارس سنة 2021، ملتمسة إرجاء الفصل في القضية وإحالة الدفع إلى المحكمة العليا، مثيرة عدم دستورية المادة 633 (الفقرة الأولى) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لتعارضها مع أحكام المادة 165 (الفقرة الأخيرة) من الدستور، موضحة أن الفقرة الأولى من المادة 633 تمس بحق التقاضي على درجتين، والحق في نظر الدعوى من جهة قضائية أعلى، وعلى أن دعوى إشكالات التنفيذ بالرغم من أنها لا تمس بأصل الحق وتهدف لإصدار أوامر وقتية، لكن في بعض الحالات يترتب عن الاستمرار في التنفيذ نتائج لا يمكن تداركها في المستقبل.
– وحيث أنه وبتاريخ 14 مارس سنة 2021، أصدرت الغرفة الاستعجالية بمجلس قضاء سكيكدة قرارا بإرسال الدفع بعدم دستورية المادة 633 (الفقرة الأولى) المشار إليها أعلاه، مرفقة بعرائض الأطراف ومذكراتهم إلى المحكمة العليا، مع إرجاء الفصل في النزاع إلى غاية توصل مجلس القضاء بقرار المحكمة العليا أو المجلس الدستوري عند إحالة الدفع إليه.
– وحيث أن المحكمة العليا بعد دراسة الملف أصدرت قرارا بتاريخ 26 أبريل سنة 2021، تحت رقم 00006/21، قضى بإحالة الدفع بعدم الدستورية على المجلس الدستوري.
– وحيث أن الملاحظات المكتوبة الواردة إلى المجلس الدستوري من طرف رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول، انصبت حول دستورية المادة 633 (الفقرة الأولى) المشار إليها أعلاه، لعدم تعارضها مع أحكام المادة 165 (الفقرة الأخيرة) من الدستور.
– وحيث أن الملاحظات المكتوبة للمدعو (ن. ح) ممثل المستثمرة الفلاحية الفردية المدعية في الدفع تضمنت أن بقاء المادة 633 (الفقرة الأولى) سارية المفعول رغم عدم مطابقتها للدستور، فيه مساس بحق المتقاضين في التقاضي على درجتين والحق في نظر الدعوى من جهة قضائية أعلى، وأبرز أن دعاوی الإشكالات في التنفيذ لا تمس بأصل الحق وتهدف إلى إصدار أوامر مؤقتة، إلا أن الاستمرار في بعض الأحيان في التنفيذ يترتب عليه نتائج لا يمكن تداركها مستقبلا، لذلك فهو يلتمس التصريح بعدم دستورية المادة 633 (الفقرة الأولى) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
من حيث الموضوع :
– حيث أن المادة 633 (الفقرة الأولى المشار إليها أعلاه، تنص على: “يتعين على رئيس المحكمة أن يفصل في دعوى الإشكال أو طلب وقف التنفيذ في أجل أقصاه خمسة عشر (15) يوما من تاريخ رفع الدعوى بأمر غير قابل لأي طعن”.
– وحيث أن المؤسس الدستوري أقر حق التقاضي على درجتين في المادة 165 (الفقرة الأخيرة) من الدستور التي تنص على: “يضمن القانون التقاضي على درجتين ويحدد شروط وإجراءات تطبيقه”.
– و حيث أنه إذا كان من اختصاص المشرع تحديد شروط وإجراءات هذا المبدأ، فإنه يعود للمحكمة الدستورية وحدها تقدير مدى دستوريتها والتأكد من عدم مساسها بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.
– وحيث أن المؤسس الدستوري، حين نص على أن القانون يضمن التقاضي على درجتين، فإنه يقصد بذلك إلزام المشرع بضمان ممارسة هذا الحق ويحدد شروط وإجراءات تطبيقه، دون أن فرغه تلك الشروط والإجراءات من جوهره، ولا أن تقيد أو تستثني أحدا عند ممارستها.
– وحيث أنه، ولئن كان قد سبق للمجلس الدستوري في قراره رقم 01 / ق.م د ادع د /21 المؤرخ في 27 جمادی الثانية عام 1442 الموافق 10 فبراير سنة 2021، التصريح بعدم دستورية المادة 33 (الفقرتين الأولى والثانية) من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية مؤسسا قراره على مقتضيات المادة 165 من الدستور (الفقرة الأخيرة)، فإن المحكمة الدستورية، ومن منطلق اختصاصها الدستوري المتمثل في ضمان احترام الدستور طبقا للمادة 185 منه، تتمسك بحماية المادة المذكورة بما تحمله من ضمانة دستورية أسست ولأول مرة في تاريخ الجمهورية الجزائرية مبدأ التقاضي على درجتين حماية الحقوق المتقاضين ، وتأمين وصونا لقواعد المحاكمة العادلة.
– وحيث أن المحكمة الدستورية توضح أن ثمة اختلافا قائما وبين وجوهريا فيما خص موضوع الدفع ومجاله بين السابق ودفع الحال، فالقرار السابق المبين أعلاه يتعلق بدعاوی موضوعية تمس أساسا بأصل الحق، ولها بالغ التأثير على المراكز القانونية للمتقاضين، ومن ثم تعين طبقا للمادة 165 (الفقرة الأخيرة من الدستور أن يفتح الحكم التشريعي ترتيبا على ذلك السبيل أمام المتقاضين بما يمكنهم من التقاضي على درجتين حماية وصونا للحقوق والحريات، بينما دفع الحال يتعلق بطلب وقف التنفيذ بما يؤكد الصبغة النهائية للحكم القضائي المثار بصدده الإشكال في التنفيذ، وسبق استفادة المتقاضين من ضمانة التقاضي على درجتين دون أي حجب أو حرمان، وهو ما يؤدي إلى نتيجة مفادها انسجام مضمون المادة 633 (الفقرة الأولى) موضوع الدفع مع مقتضيات المادة 165 (الفقرة الأخيرة) من الدستور نصا وروحا.
– وحيث أنه في دفع الحال تفيد المحكمة الدستورية وتذكر أن ديباجة الدستور وهي جزء لا يتجزأ منه، ورد فيها : “يعبر الشعب الجزائري عن تمسكه بحقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر”، وانطلاقا مما ورد في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإن الحكم الوارد في المادة 633 (الفقرة الأولى) من القانون رقم 08-09 جاء مكرّسا للأحكام المقررة في الصك المذكور.
– وحيث أنه وإعمالا بهذه الأحكام، فإن كل طرف في الخصومة استفاد من حقه الدستوري في التقاضي على درجتين قبل إضفاء الطابع النهائي على الحكم، ومن ثم فإن الادعاء بمخالفة المادة 633 (الفقرة الأولى) لمقتضيات المادة 165 (الفقرة الأخيرة) من الدستور، ادعاء غير وجيه لما ينطوي عليه من مبالغة في تفسير الحكم التشريعي على نحو يبتعد عن أحكام الدستور.
– وحيث أن تفسير الأحكام التشريعية يفرض التقيد التام بمجموع الأحكام الدستورية ذات الصلة بالحكم التشريعي، من بينها في قضية الحال أحكام المادة 178 من الدستور والتي تنص على أن “كل أجهزة الدولة المختصة مطالبة، في كل وقت وفي كل مكان وفي جميع الظروف، بالسهر على تنفيذ أحكام القضاء. ويعاقب القانون كل من يمس باستقلالية القاضي أو يعرقل حسن سير العدالة وتنفيذ قراراتها”. ومن هذا الحكم يتبين بوضوح أن المؤسس الدستوري، وإن كفل ضمانة تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة باسم الشعب الجزائري طبقا للمادة 166 من الدستور، فإنه وقبل مرحلة التنفيذ، كفل أيضا للمتقاضين طبقا للمادة 165 (الفقرة الأخيرة) من الدستور، مبدأ التقاضي على درجتين إرساء لقواعد المحاكمة العادلة وإنصافا للمتقاضين وتكريسا لحق الدفاع. وبالنتيجة تؤكد المحكمة الدستورية تطابق الحكم التشريعي موضوع الدفع، مع المادة 165 (الفقرة الأخيرة) من الدستور.
– وحيث من الثابت أن المادة 633 (الفقرة الأولى) المشار إليها أعلاه، لا تتضمن ما يفيد المساس بالحق في التقاضي على درجتين، وأن دعاوى الإشكال في التنفيذ لا تمس بأصل الحق الذي فصل فيه نهائيا واستنفذت فيه درجات التقاضي.
وعليه، تقرر المحكمة الدستورية ما يأتي :
أولا : تصرح بدستورية المادة 633 (الفقرة الأولى) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ثانيا : يعلم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول بهذا القرار.
ثالثا: يبلغ هذا القرار إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا.
ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
بهذا تداولت المحكمة الدستورية في جلستيها المنعقدتين بتاريخ 26 و30 ربيع الثاني عام 1443 الموافق أول و5 ديسمبر سنة 2021.
رئيس المحكمة الدستورية
عمر بلحاج
ليلى عسلاوي، عضوا،
بحري سعد الله، عضو،
مصباح مناس، عضوا،
جيلالي ميلودي، عضوا،
أمال الدين بو لنوار، عضوا،
فتيحة بن عبو، عضوا،
عبد الوهاب خريف، عضوا،
عباس عمار، عضوا،
عبد الحفيظ أوسوكين، عضوا،
عمار بوضياف، عضوا،
محمد بوطرفاس، عضوا.